الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الإعراب: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} الحق خبر لمبتدأ محذوف ومن ربكم حال ويجوز أن يكون الحق مبتدأ ومن ربكم خبره، فمن شاء الفاء استئنافية ومن شرطية مبتدأ وشاء فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاعل مستتر تقديره هو والفاء رابطة للجواب لأن الجملة طلبية واللام لام الأمر ويؤمن مضارع مجزوم بلام الأمر ومن شاء فليكفر عطف على سابقتها. {إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} إن واسمها وجملة أعتدنا خبرها وللظالمين متعلقان بأعتدنا ونارا مفعول به وأحاط بهم سرادقها الجملة صفة لنار، وأحاط فعل ماض وبهم متعلقان بأحاط وسرادقها فاعل أحاط.. {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} الواو عاطفة وإن شرطية ويستغيثوا فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل ويغاثوا جواب الشرط وبماء متعلقان بيغاثوا وكالمهل صفة لماء وجملة يشوي الوجود صفة ثانية أو حال والوجوه مفعول به. {بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقًا} بئس فعل ماض جامد من أفعال الذم، والشراب فاعل والمخصوص بالذم محذوف أي هي وساءت عطف على بئس ومرتفا تمييز محول عن الفاعل أي مرتفقها ولا تلتفت لمن أعربها مصدرا. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} إن واسمها وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا، إنا لا نضيع يجوز أن تكون هذه الجملة خبر إن أو يجوز أن تجعلها معترضة وان واسمها وجملة لا نضيع خبرها وفاعل نضيع مستتر تقديره نحن وأجر مفعول به ومن موصول مضاف اليه وجملة أحسن صلة وعملا تمييز ويجوز أن يكون مفعولا به وفاعل أحسن ضمير هو الرابط إذا جعلت إنا لا نضيع خبر إن الذين أو الرابط هو تكرر الظاهر بمعناه. {أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ} الجملة خبر ثان لإن الذين أو خبر إذا جعلت جملة إنا لا نضيع معترضة وأولئك مبتدأ ولهم خبر مقدم وجنات عدن مبتدأ مؤخر والمبتدأ الثاني وخبره خبر أولئك وجملة تجري من تحتهم الأنهار حال من جنات أو صفة لها فصار لهم بذلك نوعان من الثواب من خمسة أنواع والثلاثة الباقية هي:{يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ} يحلون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وفيها حال أي حال كونهم في الجنة أو متعلقان بيحلون ومن أساور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول محذوف أي حليا من ذهب، ومن ذهب صفة لأساور ويلبسون عطف على يحلون والواو فاعل وثيابا مفعول به وخضرا صفة ومن سندس صفة أو حال من ثيابا وإستبرق عطف على سندس ومتكئين حال من أولئك وفيها حال أيضا فهي متداخلة وعلى الأرائك متعلقان بمتكئين فتمت بذلك النعم السوابغ الخمس. {نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} تقدم اعراب نظيرتها فجدد به عهدا..البلاغة: في هذه الآيات فنون كثيرة من البلاغة تقدم ذكر معظمها فنكتفي بالاشارة إليها:1- التهكم:في قوله تعالى: {يغاثوا بماء كالمهل} فقد سمى أعلى أنواع العذاب إغاثة والإغاثة هي الإنقاذ من العذاب تهكما بهم وتشفيا منهم والتهكم فن طريف من فنونهم من تهكمت البئر إذا تهدمت أو من التهكم بمعنى الغضب الشديد أو الندم على أمر فائت فالبشارة فيه إنذار والوعد معه وعيد والإجلال للمخاطب المتهكم به تحقير وهذه الآية من أحسن شواهده إذ جعل الإغاثة ضد الإغاثة نفسها ففيه إلى جانب التهكم مشاكلة أيضا وقد افتتن الشعراء بهذا المعنى وأخذه بعضهم بلفظه فأجاد من جهة وأسف من جهة التركيب وذلك بقوله يهجو بخيلا:وقد برع فيه من شعرائنا ابن الرومي وأوردنا نماذج من تهكمه ونورد الآن أبياتا له يتهكم فيها بصاحب لحية طويلة: ومغالطته بادية من دخيلة إحساسه بهيبة اللحية حتى البحتري لم تسلم لحيته من هجوه إذ يقول البحتري: 2- التشبيه المؤكد:في قوله تعالى: {إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} فقد شبه النار المحيطة بهم بالسرادق المضروب على من يحتويهم وأضيف السرادق إلى النار فذلك هو التشبيه المؤكد وهو أن يضاف المشبه إلى المشبه به كقول بعضهم: فقد أضاف الأصيل وهو المشبه إلى الذهب وهو المشبه به كما أضاف الماء الذي هو المشبه إلى اللجين الذي هو المشبه به وقد رمقه شوقي فقال في وصف دمشق: والمراد بالتشبيه المؤكد قوله لجين الماء أما حواشيها زمردة والشمس عقيان فهو من التشبيه البليغ المضمر الأداة.3- المشاكلة:وذلك في قوله: {وساءت مرتفقا} فقد ذكر الارتفاق مشاكلة لقوله فيما بعد في وصف أهل الجنة {وحسنت مرتفقا} لأن ارتفاق اليد في النار لا يصح بل فيها العذاب والضرر وقد ذكرنا في باب اللغة أنه يجوز أن يكون الارتفاق ناشئا عن الهم والعذاب كقول الهذلي المتقدم فلا مشاكلة ومن طريف المشاكلة قول بعضهم وقد دعاه إخوانه إلى صبوح وليس لديه ثياب يلبسها فكتب إليهم: ومن المفيد أن نشير إلى تأنيث حسنت وساءت وذلك على المعنى أي ساءت النار مرتفقا وحسنت الجنة مرتفقا.4- الاستتباع:وهو فن جميل يتقصى الشيء الذي تتصدى للكتابة عنها باستقصاء الأوصاف المحيطة به والملائمة له فلا يكاد المتكلم يذكر معنى من المعاني أو يتناول غرضا من الأغراض حتى يستتبع معنى آخر من جنسه يقتضي زيادة في وصفه فقد ذكر تعالى الجنة جزاء للذين آمنوا وعملوا الصالحات فوصفها بأن الأنهار تجري خلالها من تحتهم ثم ذكر الأساور حلية لهم ونكرها لإبهام أمرها في الحسن وجمع بين السندس والإستبرق وهما ما رقّ وغلظ من ألبسة الحرير على عادة المترفين الذين يعدون ثيابا للصيف تصلح له وللشتاء لباسا أخرى تلائم حالات البرد الشديد وخص الاتكاء بالذكر لأنه هيئة المنعّمين المترفين المسترخين على المقاعد والسرر في الابهاء الممتعة والقصور المنيفة فسبحان قائل هذا الكلام.ومن الاستتباع في الشعر قول المتنبي: فقد استتبع مدحه بالشجاعة مدحه بأنه سبب لصلاح الدنيا حيث جعلها مهنأة بخلوده لأنه سبب عمرانها ومثله قوله أيضا: فقد مدح سيف الدولة بالشجاعة أيضا واستتبع في باقي البيت مدحه بالكرم لعصيان الملام في الهبات والمعنى انك تردهم عما يطلبون من الهدنة ردك لوم اللائمين لك في العطاء أي كما انك لا تصغي إلى ملامة لائم في سخائك فكذلك لا تقبل الهدنة وهذا من أروع ما تبتكره الأذهان ومن الفائدة أن نورد أبياتا مختارة من هذه القصيدة التي قالها في مديح سيف الدولة وقد وردت عليه رسل الروم يطلبون الهدنة في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وأولها:أراع كذا؟ كل الملوك همام وسح له رسل الملوك غمام؟يقول هل راع ملك جميع الملوك كما أرى من روعك إياهم وهل تقاطرت الرسل على ملك كما تقاطرت عليك جعل توالي الرسل عليه كسح الغمام وفي البيت براعة استهلال لأنه أشار فيه وهو مطلع القصيدة إلى موضوع الرسل، ثم قال: وفيها يقول:
|